فصل: تنكر السلطان للوزير شرف الدين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  فتوحات الوزير بأذربيجان وأران

ولما تخلف الوزير عن السلطان صرف همته إلى تمهيد البلاد ومدافعة صاحب خلاط وارتجاع البلاد التي ملك من أذربيجان وأران وفتح القلاع العاصية فكان بينه وبين الحاجب حسام الدين صاحب خلاط ما ذكرناه وهو خلال ذلك يستميل أصحاب القلاع ويفيض فيهم الأموال والخلع حتى أجاب أكثرهم‏.‏ثم قبض على ناصر الدين محمد من أمراء البهلوانية وكان معتزلا عند نصرة الدين بن سبكتكين فصادره على مال وتسلم من نائبه قلعة كانت بيده‏.‏ثم مات نائب السلطان بكنجة أقسنقر الأتابكي فنهض إليها وقبض على نائبه شمس الدين كرشاسف وصادره وتسلم منه قلعة هردوجار برد من أعمال أران‏.‏ثم جهز العساكر لحصار قلعة زونين وبها زوجة السلطان خاموش فأطال حصارها وعرضت عليه نكاحها فأبى‏.‏ولما رجع السلطان من العراق تزوجها وولى خادمه سعد الدين على القلعة فأساء إليها وانتزع أملاكها فأخرجوه وعادوا إلى الانتقاض‏.‏ولما خلص الوزير من واقعته مع الحاجب نائب خلاط قصد أران فجبى الأموال وجمع واحتشد وقصد قلعة مردانقين وكانت لصهر الوزير ركبة الدين فصانعه بأربعة آلاف دينار حملها إليه‏.‏ثم سار إلى قلعة حاجين وبها جلال الدولة ابن أخت أبواني أمير الكرج فصالحه على عشرين ألف دينار وسبعمائة أسير من المسلمين‏.‏ثم كانت فتنة البهلوانية فسكنها وسرح الجند عنها‏.‏وشرح الخبر عنها أن بعض مماليك أتابك أزبك كان قد أفحش في قتل الخوارزمية بأذربيجان عند زحفهم إلها أيام ذرارهم من التتر فلما ملك السلطان جلال الدين أذربيجان ومحا ملك البهلوانية منها لحق الأمير مقدي هذا بالأشرف بن العادل بن أيوب صاحب الشام وأقام عنده فلما بلغه انهزام الوزير شرف الملك أمام الحاجب حسام الدين نائب الأشرف بخلاط فر من الشام إلى أذربيجان ليقيم مع الأتابكية ومر بالحاجب في خوي فاتبعه وعبر النهر وخاطب من عدوته معتذراً فرجع عنه‏.‏ودخل مقدي بلاد قبار وفيها قلاع استولى عليها المنتقضون والعصاة فراسلهم في إقامة الدعوة الأتابكية والبيعة لابن خاموش بن أزبك يستدعونه من قلعة قوطور‏.‏واتصل ذلك بالوزير فأقلقه‏.‏ثم جاء خبر هزيمة السلطان بأصفهان فازداد قلقاً‏.‏وسار الأمير مقدي إلى نصرة الدين محمد بن سبكتكين يدعوه لذلك فلاطفه في القول‏.‏وكتب للوزير بالخبر فأجابه بأن يضمن لمقدي ما أحب في مراجعة الطاعة ففعل وجاء به إلى الوزير فأكرمه وخلع عليه وعلى من جاء معه وعاهده العفو عن دماء الخوارزمية‏.‏وجاء الخبر برجوع السلطان من أصفهان فارتحل الوزير للقائه ومعه الأمير مقدي وابن سبكتكين وأكرمهما السلطان‏.‏

  أخبار الوزير بخراسان

كان صفي الدين محمد الطغرائي وزيراً بخراسان‏.‏وأصل خبره أنه كان من قرية كلاجرد وأبوه رئيسها وكان هو حسن الخط ورتبة الأطوار‏.‏ثم لحق بالسلطان في الهند وخدم الوزير شرف الملك فلما عادوا إلى العراق ولاه الطغراء‏.‏ولما ملك السلطان تفليس من يد الكرج ولى عليها أقسنقر مملوك الأتابك أزبك وأقام صفي الدين في وزارتها فلما حاصرها الكرج هرب أقسنقر وأقام صفي الدين فحاصروه أياماً‏.‏ثم أفرجوا ووقع ذلك من السلطان أحسن المواقع وولاه وزارة خراسان فأقام بها سنة‏.‏وضجر منه أهلها فلما جاء السلطان إلى الري وأقام بها كثرت به الشكايات ونكبه السلطان واستصفى أمواله وقبض على مواليه وحاشيته وقيدت خيله إلى مرابط السلطان وكانت ثلاثمائة‏.‏وخلص من مواليه علي الكرماني إلى قلعة كان حصنها فامتنع بها واستوزر السلطان مكانه تاج الدين البلخي المستوفي وسلم إليه الصفي ليستصفيه ويقلع القلعة من مولاه وشدد في امتحانه‏.‏وكان عدوه فلم يظفر منه بشيء‏.‏وكان لما نكب طالبه خاتون السلطان بإحضار الجواهر وما ساقه لخدمة الوزير وغيره فأحضر أربعة آلاف دينار ثم كاتب الصفي أرباب الدولة ووعدهم بالأموال فشفعوا فيه وخلصوه وكتب السلطان بخطه بسراحه فجاء واستخلص ماله من الخازن إلا الفصوص فإنه تعذر عليه ردها‏.‏وولى السلطان على وزارة نسا محمد بن مودود النسوي العارض من بيت رئاسة بها‏.‏ورمت به الحادثة إلى غزنة فلما جاء السلطان من الهند ولاه الإنشاء والحبس وعظم أمره وغص به الوزير شرف الملك‏.‏فلما ورد أحمد بن محمد المنشئ الكاتب رسولاً عن نصرة الدين محمد بن حمزة صاحب نسا كما مر ولاه السلطان الإنشاء فارتمض لذلك ضياء الدين وطلب وزارة نسا فولاه السلطان إياها‏.‏وأقطع له عشرة آلاف دينار في السنة زيادة على أرزاق الوزارة‏.‏وذهب إليها لإقامة وظيفته‏.‏واستناب في ديوان العرض مجد الملك النيسابوري‏.‏ثم قطع الحمل فعزله السلطان وولى مكانه الكاتب أحمد بن محمد المنشئ وتعرض للسعاية فيه فطرده السلطان وهلك في طرده‏.‏خبر بلبان صاحب خلخال كان من أتابكية أزبك‏.‏ولما كانت فتنة التتر وخلاء خراسان واستيلاء السلطان جلال الدين على أذربيجان لحق بمدينة خلخال فاستولى عليها وعلى قلاعها وشغل عنه السلطان بأمر العراق وصاحب خلاط‏.‏فلما انصرف المسلمون من واقعة السر بالعراق حاصروه بقلعة فيروز أباد حتى استأمن وملكها السلطان وولى عليها حسام الدين بكتاش مولى سعد أتابك فارس‏.‏ثم خفف السلطان أثقاله بموقان وتجرد لخلاط وعاقه البرد بارجيش فنهب بعض قلاع‏.‏وكان عز الدين الخلخالي في كفر طاب قريباً من أرجيش فلحق بخلاط وجهزه الحاجب إلى أذربيجان يشغلهم بإثارة الفتنة فيها فلم يتم قصده من ذلك فلحق بجبال زنجان وأقام يخيف السابلة‏.‏وكتب له السلطان بالأمان‏.‏ونزل إلى أصفهان فبعث نائبها شرف الدولة برأسه إلى السلطان‏.‏ثم رجع السلطان من كفر طاب إلى خرت برت فنهبها وخربها ووصله خلال ذلك الخبر بوفاة الخليفة الظاهر منتصف ثلاث وعشرين وولاية ابنه المنتصر وجاء كتابه بأخذ البيعة وأن يبعث إليه بالخلع والله تعالى ولي التوفيق لا رب غيره‏.‏

  تنكر السلطان للوزير شرف الدين

لما رجعت العساكر إلى موقان وأقام السلطان بخوي شكا إليه أهلها بكثرة مصادرة الوزير لهم واطلع على إساءته للملكة بنت طغرل واستصفائه مالها مع براءتها مما نسب إليها‏.‏ثم جاء إلى تبريز فبلغه عنه أكثر من ذلك وهو بقرية كورتان من أعمالها فافتقد رئيسها وكان يخدمه فقيل إن الوزير صادره على ألف دينار لمملوكين‏.‏فلما وصل إلى تبريز حبس من أخذها حتى ردها على صاحبها وأسقط عن أهل تبريز خراج ثلاث سنين وكتب لهم بذلك‏.‏وكثرت الشناعات على الوزير بما فعله في مغيب السلطان هذا مع ما كان منه في محاربة الإسماعيلية بأن السلطان كاتبه من بغداد بأن يفتش فلول الشام من أجل رسول من عند التتر بعثوه إلى الشام‏.‏وقصد بذلك معاتبة الخليفة إن عثر على الرسول فمر به فل من الإسماعيلية فقتلهم واستولى على أموالهم‏.‏فلما عاد السلطان إلى أذربيجان وصله رسول علاء الدين ملك الإسماعيلية يعاتبه على ذلك ويطلب المال فنكر السلطان على الوزير ما فعله ووكل به أميرين حتى رد ما أخذ من أموالهم وكانت ثلاثين ألف دينار وعشرة أفراس فانطوى السلطان للوزير من ذلك كله على سخط وأعرض عن خطابه‏.‏وكان يكاتب فلا يجاب وعجزت تبريز عن علوفة السلطان فأمر بفتح أهراء الوزير والتصرف فيها‏.‏ورجع السلطان إلى موقان فلم يغير عليه شيئاً ووقع له بتناول عشر الخاص فكان يأخذ من عشر العراق سبعين ألف دينار في كل سنة والله أعلم‏.‏وصول القفجاق لخدمة السلطان كان للقفجاق على قديم العهد هوى مع قوم هذا السلطان وأهل بيته وكانوا يصهرون إليهم غالباً ببناتهم‏.‏ومن أجل ذلك استأصلهم جنكزخان واشتد في طلبهم فلما عاد السلطان من واقعة أصفهان وقد هاله أمر التتر رأى أن يستظهر عليهم بقبائل قفجاق وكان في جملته سبير جنكش منهم فبعثه إليهم يدعوهم لذلك ويرغبهم فيه فأجابوا وجاءت قبائلهم أرسالا‏.‏وركب البحر كوركان من ملوكهم في ثلاثمائة من قرابته ووصل إلى الوزير بموقان فشتى بها‏.‏ثم جاء السلطان فخلع عليه ورده بوعد جميل في فتح دربند وهو باب الأبواب‏.‏ثم أرسل السلطان لصاحب دربند وكان طفلاً وأتابكه يلقب بالأسد يدبر أمره فقدم على السلطان فخلع عليه وأقطع له وملكه العمل على أن يفتح له الدربند‏.‏وجهز عساكر وأمراء فلما فصلوا من عنده قبضوا على الأسد وشنوا الغارة على نواحي الباب وأعمل الأسد الحيلة وتخفف من أيديهم وتعذر عليهم ما أرادوه‏.‏

  استيلاء السلطان على أعمال كستاسفي

كان علم الوزير يشكر أن السلطان أراد أن ينتصح له ببعض مذاهب الخدمة فسار في العساكر وعبر نهر أزس فاستولى على أعمال كستاسفي من يد شروان شاه‏.‏فلما عاد السلطان إلى موقان أقطعها لجلال الدين سلطان شاه بن شروان شاه وكان أسيراً عند الكرج أسلمه أبوه إليهم على أن يزوجوه بنت الملك رسودان بنت تاماد‏.‏فلما فتح السلطان بلاد الكرج استخلصه من الأسر ورباه وبقي عنده وأقطعه الآن كستاسفي‏.‏وكان أيضاً عند الكرج ابن صاحب أرزن الروم وكان تنصر فزوجوه رسودان بنت تاماد فأخرجه السلطان لما فتح بلاد قدوم شروان شاه كان السلطان ملك شاه بن ألب أرسلان لما ملك أران أطلق الغارة على بلاد شروان فوفد عليه ملكها افريدون بن فرتبريز وضمن حمل مائة ألف دينار في السنة‏.‏فلما ملك السلطان جلال الدين أران سنة اثنتين وعشرين وستمائة طلب شروان شاه افريدون بالحمل فاعتل بتغلب الكرج وضعف البلاد فأسقط عنه نصف الحمل‏.‏فلما عاد الآن قدم عليه شروان شاه وأهدى له خمسمائة فرس وللوزير خمسين فاستقلها‏.‏وأشار على السلطان بحبسه فلم يقبل إشارته ورده بالخلع والتشريف وأسقط عنه من الحمل عشرين ألفاً فبقي ثلاثون قال النسائي الكاتب وأعطاني في التوقيع ألف دينار والله تعالى أعلم‏.‏

  مسير السلطان إلى بلاد الكرج وحصاره قلاع بهرام

لما كان السلطان مقيماً بموقان منصرفة من أذربيجان بعث عساكره مع ايلك خان فأغار على بلاد الكرج واكتسحها ومر ببحيرة بتاج فكبسه الكرج وأوقعوا به‏.‏وفقد اريطاني وامتعض السلطان لما وقع بعسكره وارتحل لوقته وقد جمع له الكرج فهزمت مقدمتهم وجيء بالأسرى منهم فقتلهم وسار في اتباعهم‏.‏ونازل كوري وطالبهم بإطلاق أسرى البحيرة فأطلقوهم‏.‏وأخبر أن اريطاني خلص تلك الليلة إلى أذربيجان ثم وجده السلطان في نقجوان‏.‏ثم سار إلى بهران الكرجي وقد كان أغار على نواحي كنجة فعاث في أعماله وحاصر قلعة سكان ففتحها عنوة وكذلك قلعة كاك‏.‏وبعث الوزير لحصار كوزاني فحاصرها ثلاثة أشهر حتى طلبوا الصلح على مال حملوه فرحل عنهم إلى خلاط والله أعلم‏.‏

  مسير السلطان إلى خلاط وحصارها

ولما فرغ السلطان من شأن الكرج قم أثقاله إلى خلاط على طريق قاقروان وسار هو إلى نفجوان وصبح الكرج واستاق مواشيهم‏.‏ثم أقام أياماً وقضى أشغال أهل خراسان والعراق ليفرغ لحصار خلاط‏.‏قال النسائي الكاتب وحصل لي منهم تلك الأيام ألف دينار‏.‏ثم ارتحل إلى خلاط ولحق بعساكره ولقيه رسول من عز الدين أيبك نائب الأشرف بخلاط وقد كان الأشرف بعثه وأمره بالقبض على نائبها حسام الدين علي بن حفاد فقبض عليه ثم قتله غيلة‏.‏وبعث إلى السلطان يستخدم إليه بذلك وأن سلطانه الأشرف أمره بطاعة السلطان جلال الدين وبالغ في الملاطفة فأبى السلطان إلا إمضاء ما عزم عليه‏.‏وقال إن كان هذا حقاً فابعث إلي بالحاجب فلما سمع هذا الجواب قتله وسار السلطان إلى خلاط ونزل عليها بعد عيد الفطر من سنة ست وعشرين‏.‏وجاءه ركن جهان بن طغرل صاحب أرزن الروم فكان معه وحاصرها ونصب عليها المجانيق وأخذ بمخنقها حتى فر أهلها عنها من الجوع وتفرقوا في البلاد‏.‏ثم داخله بعض أهلها في أن يمكنهم من بقيتها على أن يؤمنوه ويقطعوه في أذربيجان فأقطعه السلطان سلماس وعدة ضياع هنالك‏.‏وأصعد الرجال ليلا إلى الأسوار فقاتلوا الجند بالمدينة وهزموهم وملكوها وأسروا من كان بها وأسروا النصارى وأسد بن عبد الله‏.‏وتحصن النائب عز الدين ايبك بالقلعة فأمنه وحبسه بقلعة درقان‏.‏فلفا وقعت المراسلة في الصلح قفل لئلا يشترط‏.‏وقال ابن الأثير إن مولى من موالي حسام الدين كان هرب إلى السلطان فلما ملك خلاط طلب أن يثأر منه بمولاه فدفعه إليه وقتله ونهب البلد ثلاثاً وسرح السلطان صاحب أرزن وهرب القمهري من محبسه فقتل أسد بن عبد الله المهراني بجزيرته وأقطع السلطان خلاط للأمراء وعاد والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

  واقعة السلطان جلال الدين مع الأشرف وكيقباد وانهزامه أمامهما

ولما استولى السلطان جلال الدين على خلاط تجهز الأشرف من دمشق وقد كان ملكها وسار لقتال السلطان جلال الدين في عساكر الجزيرة والشام وذلك في سنة تسع وعشرين ولقيه علاء الدين كيقباد صاحب بلاد الروم على سيراس‏.‏وكان كيقباد قد خشي من اتصال جهان شاه ابن عمه طغرل صاحب أرزن الروم بالسلطان جلال لما بينهما من العداوة فسار الأشرف وكيقباد من سيراس وفي مقدمة الأشرف عز الدين عمر بن علي من أمراء حلب من الأكراد الهكارية وله صيت في الشجاعة‏.‏وجاء السلطان علاء الدين للقائهم فلما تراءى الجمعان حمل عز الدين صاحب المقدمة عليهم فهزمهم وعاد السلطان إلى خلاط‏.‏وكان الوزير على ملازكرد يحاصرها فلحق به وارتحلوا جميعاً إلى أذربيجان وأسر ركن الدين جهان شاه بن طغرل‏.‏وجيء به إلى ابن عمه علاء الدين كيقباد فجاء إلى أرزن فسلمها وسائر أعمالها‏.‏ووصل الأشرف إلى خلاط فوجدها خاوية‏.‏ولما رجع السلطان إلى أذربيجان ترك العساكر مع الوزير سكمان وأقام بخوي وخلص الترك في الهزيمة إلى موقان‏.‏وتردد شمس الدين التكريتي رسول الأشرف بينه وبين السلطان جلال الدين في الصلح بينهم ودخل فيه علاء الدين صاحب الروم وانعقد بينهم جميعاً وسلم لهم السلطان سر من رأى مع خلاط والله تعالى أعلم‏.‏

  الحواث أيام حصار خلاط

منها وفادة نصر الدين أصبهبذ صاحب الجبل مع أرخا من أمراء السلطان يصهر على أخيه فقبض السلطان عليه إلى أن عاد من بلاد الروم منهزماً فأقطعه وأعاده إلى بلاده‏.‏ومنها رسالة أخت السلطان وكانت عند دوشي خان أخذها من العيال الذين جاءوا معه وتركمان خاتون من خوارزم وأولدها وكانت تكاتب أخاها بالأخبار فبعثت إليه الآن في الصلح مع خاقان والمصاهرة‏.‏وأن يسلم له فيما وراء جيحون فلم يجبها‏.‏ومنها وفادة ركن الدين شاه بن طغرل صاحب أرزن الروم وكان في طاعة الأشرف ومظاهر للحاجب نائب خلاط على عداوة السلطان منافرة لابن عمه علاء الدين كيفباد بن كنخسرو صاحب الروم وكان قتل رسول السلطان منقلباً من الروم ومنع الميرة عن العسكر‏.‏فله طال حصار السلطان بخلاط استأمن وقدم عليه السلطان فاحتفل لقدومه وأركب الوزير للقائه‏.‏ثم خلع عليه ورده إلى بلاده واستدعى منه آلات الحصار فبعث بها‏.‏ثم حضر بعد ذلك واقعة الأشرف مع السلطان كما مر‏.‏ومنها وصول سعد الدين الحاجب برسالة الخليفة إلى السلطان بالخطبة في أعمالها وأن لا يتعرض لمظفر الدين كوكبرون صاحب إربل ولا للولد صاحب الموصل ولا لشهاب الدين سليمان شاه ملك ولا لعماد الدين بهلوان بن هراست ملك الجبال ويعدهم في أولياء الديوان فامتثل مراسله‏.‏وبعث نائب العراق شرف الدين علي بأن ملك العراق لا يتم إلا بطاعة ملك الجبال عماد الدين بهلوان وملك ‏"‏ ‏"‏ سليمان شاه فبعث إليهما السلطان من لاطفهما حتى كانت طاعتهما اختياراً منهما ، ^? وبعث السلطان الحاجب بدر الدين طوطو بن أبنايخ خان فأحسن في تأدية رسالته وجاء بهدية حافلة من عند الخليفة خلعتان للسلطان احداهما جبة وعمامة وسيف هندي مرصع الحلية والأخرى قنع وكمة وفرجية وسيف محلى بالذهب وقلادة مرصعة ثمينة وفرسان رائعان بعدتين كاملتين ونعال لكل واحدة من أربعمائة دينار وترس ذهب مرصع بالجوهر وفيه أحك وأربعون فصاً من الياقوت وبندخستاني في وسطه فيروزجة كبيرة وثلاثون فرساً عربية مجللة بالأطلس الرومي المبطن بالأطلس البغدادي بمقاود الحرير ونعال الذهب لكل واحدة منها ستون ديناراً وعشرون مملوكاً بالعدة والمركوب وعشرة فهو بجلال الأطلس وقلائد الذهب وعشرة صقور بالأكمام المكفنة ومائة وخمسون بقجة في كل واحدة عشرة ثياب وخمس أكر من العنبر مضلعة بالذهب وشجرة من العود الهندي طولها خمسة أذرع وأربع عشرة خلعة نسوانية للخانات من خوالص الذهب وكنائس للخيل تفليسية‏.‏وللأمراء ثلاثمائة خلعة لكل أمير خلعة قباء وكمة للوزير عمامة سوداء وقباء وفرجية وسيف هندي واكرتان من العنبر وخمسون ثوباً وبغلة‏.‏ولأصحاب الديوان عشرون خلعة في كل خلعة جبة وعمامة وعشرون ثوباً أكثرها أطلس رومي وبغدادي وعشرون بغلة شهباء‏.‏ورفعت للسلطان خباء فدخلها ولبس الخلعتين وشفع الرسول في أهل خلاط فاعتذر له السلطان ، ^? ومنها وصول هدية من صاحب الروم ثلاثون بغلا مجللة بثياب الأطلس الخطائي وفرو القندسي والسمور وثلاثون مملوكاً والعدة ومائة فرس وخمسون بغلا‏.‏ولما مروا بأذربيجان اعترضهم ركن الدين جهان شاه بن طغرل صاحب أرزن وكان في طاعة الأشرف فأمسك الهدية عنده إلى أن وفد على السلطان بطاعته فأحضرها‏.‏ومنها أسار وزير المورخا جاء إلى الجبل المطل على قزوين لحصاد الحشيش على عادته وكان السلطان قد تغير على علاء الدين صاحبهم بسبب أخيه غياث الدين ولحاقه بهم في الموت فسار مقطع سارة إلى ذلك الجبل وأكمن لهم الوزير‏.‏وبعث به إلى السلطان وهو يحاصر خلاط فحبسه بقلعة رزمان وهلك لأشهر قلائل‏.‏ثم بعض السلطان كاتبه محمد بن أحمد النسائي إلى علاء الدين صاحب قلعة الموت بطلب الخوارج وطلب الخطبة فامتنع منها أولا واحتج عليه بأن أباه جلال الدين الحسن خطب لخوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش والد السلطان فأنكر والتزم أن يبعث إلى الديوان مائة ألف في كل سنة‏.‏

  وصول جهان بهلوان أزبك من الهند كان السلطان

لما فصل من الهند بقصد العراق واستخلف على البلاد التي ملكها هنالك جهان بهلوان أزبك فأقام هنالك إلى أن قصده عسكر شمس الدين ايتماش صاحب لهاوون ففارق مكانه وسار إلى بلاد قشمير فزاحموه وطردوه عن البلاد فقصد العراق وتخلف عنه أصحابه وعادوا إلى ايتماش وفيهم الحسن برلق الملقب رجاملك وكاتب جهان عليها ملك العراق بوصوله في سبعمائة فارس فأجاب الحسن رأي السلطان فيه وبعث إليه بعشرة آلاف دينار للنفقة‏.‏ووصل توقيع السلطان بأن تحمل إليه عشرون ألفاً وأن يشتي بالعراق يستريح بها من التعب فصادف عود السلطان من بلاد الروم وزحف السلطان إلى أذربيجان فحال قدر الله بينه وبين مرامه وقتل هناك سنة ثمان وعشرين‏.‏وصول التتر إلى أذربيجان كان التتر عندما ملكوا ما وراء النهر وزحفوا إلى خراسان فضعضعوا ملك بن خوارزم شاه وانتهوا إلى قاصية البلاد وخربوا ما مروا عليه واكتسحوا ونهبوا وقتلوا‏.‏ثم استقر ملكهم بما وراء النهر وعمروا تلك البلاد واختطوا قرب خوارزم مدينة عظيمة تعوض منها‏.‏وبقيت خراسان خالية واستبد بالمدن فيها أمراء شبه الملوك يعطون الطاء للسلطان جلال الدين لما جاء من الهند وانفرد جلال الدين بملك العراق وفارس وكرمان وأذربيجان وأران وما وراء ذلك‏.‏وبقيت خراسان مجالات لغارات التتر وحروبهم‏.‏ثم سارت طائفة منهم سنة خمس وعشرين فكان بينهم وبين جلال الدين لما جاء من الهند المواقعة على أصفهان كما مر‏.‏ثم كان بين جلال الدين وبين الأشرف صاحب الشام وعلاء الدين كيقباد صاحب الروم المواقعة سنة سبع وعشرين كما مر وأوهنت من جلال الدين وحلت عرى ملكه‏.‏وكان علاء الدين مقدم الإسماعيلية في قلعة الموت فعاد جلال الدين لما أثخن في بلاده وقرر عليه وظائف الأموال فبعث إلى التتر يخبرهم بالهزيمة الكائنة عليه وأنها أوهنته ويحثهم على قصده فساروا إلى أذربيجان أول سنة ثمان وعشرين وبلغ الخبر إلى السلطان بمسيرهم فبعث بوغر من أمرائه طليعة لاستكشاف خبرهم فلقي مقدمتهم فانهزم ولم ينج من أصحابة غيره‏.‏وجاء بالخبر فرحل من تبريز إلى موقان وخلف عياله بتبريز لنظر الوزير وأعجله الحال عن أن يبعثهم إلى بعض الحصون‏.‏ثم ورد كتاب من حدود زنجان بأن المقدمة التي لقيها بوغر باهر أقاموا بمرج الخان وأنهم سبعمائة فارس فظن السلطان أنهم لا يجاوزونها فسري عنه ورحل إلى موقان فأقام بها وبعث في أحشاد الأميرين بغان شحنة خراسان وأوسمان بهلوان شحنة مازندران وشغل بالصيد‏.‏وبينما هو كذلك كبسه التتر بمكانه ونهبوا معسكره وخلص إلى نهر أوس‏.‏ثم ورى بقصد كنجة وعطف إلى أذربيجان فتنكر لماهان‏.‏وكان عز الدين صاحب قلعة شاهن غاضباً منذ سنين لإغارة الوزير على بلده‏.‏فلما نزل السلطان ماهان كان يخدمه بالميرة وبأخبار التتر ثم أنفره آخر الشتاء بمسير التتر إليه من أرجان وأشار عليه بالعود إلى أران لكثرة ما فيها من العساكر وأجناد التركمان متحصنين بها‏.‏فلما فارقها وكان الوزير فوق بيوت السلطان وخزائنه في قلاع حسام الدين منهم أرسلان كبير أمراء التركمان بأران وكان قد عمر هنالك قلعة سنك سراخ من أحصن القلاع فأنزل عياله بها وكان مستوحشاً من السلطان فجاهر بالعصيان‏.‏وكانت وحشته من السلطان لأمور منها تبذير أمواله في العطاء والنفقة ومنها أنه ظن أن السلطان مجفل إلى الهند فكاتب الأشرف صاحب الشام وكيقباد صاحب الروم فوعدهم من نفسه الطاعة وهما عدوا السلطان‏.‏ومنها أنه كاتب قليج أرسلان التركماني فأمره بحفظ حرم السلطان وخزائنه ولا يسلمها إليه‏.‏وبعث في الكتاب له والكباس قبله ليغزو الروم‏.‏فلما مر السلطان بقلعته بعث إليه يستدعيه فوصل وحمل كفنه في يده فلاطفه السلطان وكايده فظنها مخالصة فاطمأن والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

  استيلاء التتر على تبريز وكنجة

ولما أجفل السلطان بعد الكبسة من موقان إلى أران بلغ الخبر إلى أهل تبريز فثاروا بالخوارزمية وأرادوا قتلهم ووافقهم بهاء الدين محمد بن بشير فاربك الوزير بعد الطغرياني‏.‏وكان الطغرياني رئيس البلد كما مر فمنعهم من ذلك وعدوا على واحد من الخوارزمية وقتلوه فقتل به اثنين من العامة‏.‏واجتهد في تحصين تبريز وحراستها وشحنها بالرجال ولم تنقطع كتبه عن السلطان ثم هلك فسلمها العوام إلى التتر ثم ثار أهل كنجة وسلموا بلدهم للتتر وكذا أهل ببلغازة والله أعلم‏.‏نكبة الوزير ومقتله لما وصل السلطان إلى قلعة جاربرد بلغه استيحاش الوزير وخشي أن يفر إلى بعض الجهات فركب إلى القلعة موريا بالنظر في أحوالها والوزير معه‏.‏وأسر إلى والي القلعة أن يمسك الوزير ويقيده هنالك ففعل‏.‏ونزل السلطان فجمع مماليك الوزير وكبيرهم الناصر قشتمر وضمهم إلى أوترخان‏.‏ثم نمي إلى والي القلعة أن السلطان مستبدل منه فاستوحش وبعث بخاتم الوزير إلى قشتمر كبير المماليك يقول نحن وصاحبكم متوازرون فمن أحب خدمته فليأت القلعة فسقط في يد السلطان‏.‏وكان ابن الوالي في جملته وحاشيته‏.‏فأمره السلطان أن يكاتب أباه ويعاتبه ففعل وأجابه بالتنصل من ذلك‏.‏فقال له السلطان فليبعث إلي برأس الوزير فبعث به‏.‏وكان الوزير مكرماً للعلماء والأدباء مواصلاً لهم كثير الخشية والبكاء متواضعاً منبسطاً في العطاء حتى استغرق أموال الديوان‏.‏لولا أن السلطان جذب من عنانه‏.‏وكان فصيحاً في لغة الترك وكانت عمالته على التواقيع السلطانية الحمد لله العظيم وعلى التواقيع الديوانية يعتمد ذلك وعلى تواقيعه ارتجاع السلطان كنجة لما ثار أهل كنجة بالخوارزمية كان القائم بأمرهم رجل منهم اسمه بندار وبعث السلطان إليهم رسوله يدعوهم إلى الطاعة فوصلوا قريباً منه وأقاموا‏.‏وخرج إليهم الرئيس جمال الدين القمي بأولاده‏.‏وامتنع الباقون‏.‏ثم وصل السلطان وردد إليهم فلم تغن وبرزوا بعض الأيام للقتال ورموا على خيمته فركب وحمل عليهم فانهزموا وازدحموا في الباب فمنعهم الزحام من إغلاقه فاقتحم السلطان المدينة وقبض على ثلاثين من أهل الفتنة فقتلهم‏.‏وجيء ببندار وكان بالغاً في الفساد وكسر سرير الملك الذي نصبه بها محمد بن ملك شاه فمثل به وفصل أعضاءه بين يديه‏.‏وأقام السلطان بكنجة نحواً من شهر‏.‏ثم سار إلى خلاط مستمداً للأشرف فارتحل الأشرف إلى مصر وعلل بالمواعيد ووصل السلطان في وجهته إلى قلعة شمس وبها أراك بن إيوان الكرجي فخرج وقبل الأرض على البعد‏.‏ثم بعث إلى السلطان ما أمر به وبعث السلطان إلى جيرانه من الملوك مثل صاحب حلب وآمد وماردين يستنجدهم بعد يأسه من الأشرف‏.‏وجرد عسكراً إلى خرت برت وملطية وأذربيجان فأغاروا في تلك النواحي واستاقوا نعمها لما بين ملكها كيقباد وبين الأشرف من الموالاة فاستوحش جميعهم من ذلك وقعدوا عن نصرته والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

  كان السلطان بلغه وهو بخلاط أن التتر ساروا إليه

فبعث السلطان الأمير أترخان في أربعة آلاف فارس طليعة فرجع وأخبر أن التتر رجعوا من حدود ملازكرد‏.‏وكان الأمراء أشاروا على السلطان ‏"‏ ‏"‏ الانتقال بديار بكر وينجرون إلى أصفهان‏.‏ثم جاءه رسول صاحب آمد وزين له قصد بلاد الروم وأطمعه في الاستيلاء عليها ليتصل بالقفجاق ويستظهر بهم على التتر وأنه يمده بنفسه في أربعة آلاف فارس‏.‏وكان صاحب آمد يروم الانتقام من صاحب الروم بما ملك من قلاعه فجنح السلطان إلى كلامه وعدل عن أصفهان إلى آمد فنزل بها‏.‏وبعث إليه التركمان بالنذير وانهم رأوا نيران التتر بالمنزل الذي كانوا به أمس فاتهم خبرهم وصبحه التتر على آمد وأحاطوا بخيمته قبل أن يركب فحمل عليهم أوترخان حتى كشفهم عن الحركات‏.‏وركب السلطان وركض وأسلم زوجته بنت الأتابك سعد إلى أميرين يحملانها إلى حيث تنتهي الحفلة‏.‏ثم رد أوترخان والعساكر عنه ليتوارى بانفراده عن عين العدو وسار أوترخان في أربعة آلاف فارس فخلص إلى أصفهان واستولى عليها إلى أن ملكها التتر عليه سنة تسعة وثلاثين‏.‏وذهب السلطان مستخفياً إلى باشورة آمد والناس يظنون أن عسكره غدروا به فوقفوا يردونهم فذهب إلى حدود الدربندات وقد ملئت المضايق بالمفسدين‏.‏فأشار عليه أوترخان بالرجوع فرجع وانتهى إلى قرية من قرى ميافارقين فنزل في بيدرها وفارقه أوترخان إلى شهاب الدين ثم طلبه الكامل فبعث به إليه محبوساً ثم سقط من سطح فمات وهجم التتر على السلطان بالبيدر فهرب وقتل الذين كانوا معه وأخبر التتر أنه السلطان فاتبعوه‏.‏وأدركه اثنان منهم فقتلهما ويئس منه الباقون فرجعوا عنه‏.‏وصعد جبل الأكراد فوجدهم مترصدين في الطرق للنهب فسلبوه وهموا بقتله‏.‏وأسر إلى بعضهم أنه السلطان فمضى به إلى بيته ليخلصه إلى بعض النواحي ودخل البيت في غيبة بعض سفلتهم وبيده حربة وهو يطلب الثأر من الخوارزمية بأخ له قتل بخلاط فقتله ولم يغن عنه البيت وكانت الوقعة منتصف شوال سنة ثمان وعشرين‏.‏هذه سياقة الخبر من كتاب النسائي كاتب السلطان جلال الدين‏.‏وأما ابن الأثير فذكر الواقعة وأنه فقد فيها وبقوا أياماً في انتظار خبره ولم يذكر مقتله‏.‏وانتهى به التأليف ولم يرد على ذلك‏.‏قال النسائي وكان السلطان جلال الدين أسمر قصيراً تركياً شجاعاً حليماً وقوراً لا يضحك إلا تبسماً ولا يكثر الكلام مؤثراً للعدل إلا أنه مغلوب من أجل الفتنة وكان يكتب للخليفة والوحشة قائمة بينهما كما كان أبوه يكتب خادمه المطواع فلان فلما بعث إليه بالخلع عن خلاط كما مر كتب إليه عبده فلان والخطاب بعد ذلك سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وإمام المسلمين وخليفة رب العالمين قدوة المشارق والمغارب المنيف على الذروة العليا ابن لؤي بن غالب‏.‏ويكتب لملوك الروم ومصر والشام‏.‏السلطان فلان بن فلان ليس معها أخوة ولا محبة‏.‏وعلامته على تواقيعه النصرة من الله وحده‏.‏وعلامته لصاحب الموصل بأحسن خط وشق القلم شقين ليغلظ‏.‏ولما وصل من الهند كاتبه الخليفة الجناب الرفيع الخاقاني فطلب الخطاب بالسلطان فأجيب بأنه لم تجر به عادة مع أكابر الملوك فألح في ذلك جين حملت له الخلع فخوطب بالجناب العالي الشاهنشاهي‏.‏ثم انتشر التتر بعد هذه الواقعة في سواد آمد وأرزن وميافارقين وسائر ديار بكر فاكتسحوها وخربوها وملكوا مدينة اسعرد عنوة فاستباحوها بعد حصار خمسة أيام ومروا بماردين فامتنعت‏.‏ثم وصلوا إلى نصيبين فاكتسحوا نواحيها ثم إلى سنجار وجبالها والخابور‏.‏ثم ساروا إلى تدليس فأحرقوها ثم إلى أعمال خلاط فاستباحوا أباكري وارتجيس‏.‏وجاءت طائفة أخرى من أذربيجان إلى أعمال إربل ومروا في طريقهم بالتركمان الاموامية والأكراد الجوزقان فنهبوا وقتلوا وخرج مظفر الدين صاحب إربل بعد أن استمد صاحب الموصل فلم يدركهم وعادوا وبقيت البلاد قاعاً صفصفاً والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏وافترق عسكر جلال الدين منكبرس وساروا إلى كيقباد ملك الروم فأثبتهم في ديوانه واستخدمهم‏.‏ثم هلك سنة أربع وثلاثين وولي ابنه غياث الدين كنخسرو فارتاب بهم وقبض على كبيرهم وفر الباقون‏.‏واكتسحوا ما مروا به وأقاموا مستبدين بأطراف البلاد‏.‏ثم استمالهم الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل وكان نائباً لأبيه بالبلاد الشرقية حران وكيفا وآمد‏.‏واستأذن أباه في استخدامهم فأذن له كما يأتي في أخباره والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه وفضله‏.‏